تاملات في آية
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }
القرآن كتابٌ لا يبلى بكثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، والكلمة القرآنية كلمةٌ حيةٌ تلد المعاني المتجددة، والقرآن جليسٌ لا يُمَلُّ، وصاحبٌ لا يغِشُّ، وما جالس أحد هذا الكتاب إلا قام عنه بزيادة ونقصان .. زيادة في هــدى ونقصان من عمى وجهالةٍ وضلالة، والمسلم مطالبٌ بالتدبر ثم العمل بكتاب الله، وفي هذه الإطلالة سنقف مع آيةٍ في سورة الأحزاب، قــال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً{.
وإذا وقفنا ابتداءً مع كلمة {وَاذْكُرْنَ} فإننا نلاحظ أن الخطاب مُوجَّهٌ لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهُنّ أكرم النساء، والخطاب لهُنَّ خطابٌ من الباب العالي فهو أدعى للمسارعة إلى الاستجابة تأسياً بأمهات المؤمنين.
وفي الآية دعوة لأمهات المؤمنين إلى تَذَكُر نعمة الله الكبرى عليهن وعلى مَنْ وراءهن من المؤمنين والمؤمنات، حيث جعل الله بيوت أهل الإيمان تتلى فيها الآيات وتتردد في جنباتها أنوار الحكمة، فلنشكر الله ولنحمده على لطفه بنا وهو الخبير بما يصلحنا وهو سبحانه اللطيف بأوليائه الخبير بجميع خلقه.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ( أذكرن ما يتلى في البيوت من القرآن الكريم، والتَزِمنَ بالسنة وقُمنَ بما يجب حتى تحصلن على الخير الكثير والعلم الغزير)
ومَن تفضّل الوهابُ عليه بكل ذلك عليه مسؤولية إشاعة الهدى، وهذا ما قامت به أمهات المؤمنين حيث حَمَلن الأمانة وعلّمن الصحابيات والصحابة.
وأهلُ العلم عليهم مسؤوليات أكبر من أهل الجهل.
وهذه الآداب أُمِرتْ بها أمهات المؤمنين، ونساء الأمة تبعٌ لهن، وكلمة {وَاذْكُرْنَ} تدل على العمل يعني : اعمَلْن بما أنـزل الله على رسوله، واذْكرن هذه النعمة التي تحصلتُنَّ عليها قبل كل الناس فاعمَلْن بالتوجيهات وقدِّرن النعمة حق قدرها.
ولا شك أن التأمل في هذه الآية والعمل بها مهم جداً لأن الشريعة التي أمرت المرأة بالقرار في البيوت لم تجعل ذلك القرار بلا هدفٍ، ولذلك جاء المنهج والوظيفة في قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} والعظيم ضَمِن للمرأة المسلمة الصيانة والحماية والعظمة ولا عجب فالمرأة درةٌ مصونة. ثم أمر النساء بالتحلي بأسبابها وذلك بالتزود من علم الشريعة الذي ندب المرأة المسلمة للقيام بوظائفها على أكمل الوجوه بعد أن ينتفِعْن في أنفسهن ثم يقُمْن بدورهن في الإرشاد والتربية والتوجيه، والمؤمنة تُحِب للآخرين ما تحِبه لنفسها.
وكلمة {وَاذْكُرْنَ} تعطي معنى: بلِّغن، وقد قامت أمهات المؤمنين بأكمل صور البلاغ وعلّمن النساء واستدركن على الرجال فكانت عائشة رضي الله عنها مُحدِّثة الفقهاء وفقيهة المحدثين.
ومن هنا يظهر شرف كلمة الذِّكْرِ التي حملت المعاني الكثيرة مثل الشكر والتلاوة والتعليم والبلاغ والاعتراف بالفضل كما أن كلمة التلاوة تدل على القراءة والمتابعة والتدبر والانقياد وكل ذلك يوصل إلى لطف اللطيف بعباده الخبير بما يصلح الإنسان في عاجل أمره وآجله.
والأمة في حاجةٍ ماسةٍ إلى العمل بهذه الآية الكريمة وبتذَكُر القرآن الكريم وتلاوته وإحياء السنن لتخرج الشياطين وتعود الطمأنينة والسكينة لبيوت المؤمنين التي كان يُسمَع لها دوي كدَوّي النحل من أصوات التالين المخبتين..
فهـل تترك المرأة المسلمة الانغماس في لغو الحديث واللهـو في عصر الإنترنت لتعطر البيوت بأريج القرآن وعبق السنة المطهرة؟؟ نرجو ذلك ونتمناه ..
نسأل الله أن يرحمنا ويحشرنا في زمرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطيبات الطاهرات والصالحين من عباده المؤمنين.
--------------
د. أحمد الفرجابي